فصل: باب ذكر تشهد ابن مسعود وغيره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب السجدة الثانية ولزوم الطمأنينة في الركوع والسجود والرفع عنهما

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى كما صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ارجع فصل فإنك لم تصل ثلاثًا فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني فقال‏:‏ إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعًا ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا ثم افعل ذلك في الصلاة كلها‏)‏‏.‏

متفق عليه لكن ليس لمسلم فيه ذكر السجدة الثانية‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر‏)‏ الحديث‏.‏

الحديث فيه زيادات وله طرق وسنشير إلى بعضها عند الكلام على مفرداته‏.‏ وفي الباب عن رفاعة بن رافع عند الترمذي وأبي داود والنسائي‏.‏ وعن عمار بن ياسر أشار إليه الترمذي‏.‏

قوله ‏(‏فدخل رجل‏)‏ هو خلاد بن رافع كذا بينه ابن شيبة‏.‏

قوله ‏(‏فصلى‏)‏ زاد النسائي ركعتين وفيه إشعار بأنه صلى نفلًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والأقرب أنها تحية المسجد‏.‏

قوله ‏(‏ثم جاء فسلم‏)‏ زاد البخاري فرد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وفي مسلم وكذا البخاري في الاستئذان من رواية ابن نمير فقال ‏(‏وعليك السلام‏)‏ وهذه الزيادة ترد ما قاله ابن المنير من أن الموعظة في وقت الحاجة أهم من رد السلام واستدل بالحديث قال‏:‏ ولعله لم يرد عليه تأديبًا له على جهله ولعله لم يستحضر هذه الزيادة‏.‏

قوله ‏(‏فإنك لم تصل‏)‏ قال عياض‏:‏ فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ وهذا مبني على أن المراد بالنفي نفي الإجزاء وهو الظاهر ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يأمره بالإعادة بعد التعليم فدل على إجزائها وإلا لزم تأخير البيان كذا قال بعض المالكية وتعقب بأنه قد أمره في المرة الأخيرة بالإعادة فسأله التعليم فعلمه فكأنه قال له أعد صلاتك على غير هذه الكيفية‏.‏

وقد احتج لتوجه النفي إلى الكمال بما وقع في بعض روايات الحديث عند أبي داود والترمذي من حديث رفاعة بلفظ‏:‏ ‏(‏فإن انتقصت منه شيئًا انتقصت من صلاتك‏)‏ وكان أهون عليهم من الأول أنه من انتقص من ذلك شيئًا انتقص من صلاته ولم تذهب كلها قالوا والنقص لا يستلزم الفساد وإلا لزم في ترك المندوبات لأنها تنتقص بها الصلاة وقد قدمنا الجواب على هذا الاحتجاج في شرح أول حديث من أبواب صفة الصلاة‏.‏

قوله ‏(‏ثلاثًا‏)‏ في رواية البخاري فقال في الثالثة أو في التي بعدها وفي أخرى له فقال في الثانية أو في الثالثة ورواية الكتاب أرجح لعدم الثالثة فيها ولكونه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان من عادته استعمال الثلاث في تعليمه‏.‏

قوله ‏(‏إذا قمت إلى الصلاة فكبر‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر‏)‏ وهي في مسلم أيضًا كما قال المصنف‏.‏ وفي رواية للبخاري أيضًا والترمذي وأبي داود‏:‏ ‏(‏فتوضأ كما أمرك اللَّه ثم تشهد وأقم‏)‏ والمراد بقوله ثم تشهد الأمر بالشهادتين عقيب الوضوء لا التشهد في الصلاة كذا قال ابن رسلان وهو الظاهر من السياق لأنه جعله مرتبًا على الوضوء ورتب عليه الإقامة والتكبير والقراءة كما في رواية أبي داود‏.‏ والمراد بقوله وأقم الأمر بالإقامة‏.‏

وفي رواية للنسائي وأبي داود ثم يكبر ويحمد اللَّه ويثني عليه إلا أنه قال النسائي يمجده مكان يثني عليه ثم ساق أبو داود في هذه الرواية الأمر بتكبير الانتقال في جميع الأركان والتسميع وهي تدل على وجوبه وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏ وظاهر قوله ‏(‏فكبر‏)‏ في رواية حديث الباب وجوب تكبيرة الافتتاح وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل أبواب صفة الصلاة‏.‏

قوله ‏(‏ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‏)‏ وفي رواية لأبي داود والنسائي من حديث رفاعة‏:‏ ‏(‏فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد اللَّه تعالى وكبره وهلله‏)‏ وفي رواية لأبي داود من حديث رفاعة‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء اللَّه‏)‏ ولأحمد وابن حبان‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ بأم القرآن ثم اقرأ بما شئت‏)‏ وقد تمسك بحديث الباب من لم يوجب قراءة الفاتحة في الصلاة وأجيب عنه بهذه الروايات المصرحة بأم القرآن وقد تقدم البحث عن ذلك في باب وجوب قراءة الفاتحة‏.‏

قوله ‏(‏ثم اركع حتى تطمئن‏)‏ في رواية لأحمد وأبي داود‏:‏ ‏(‏فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكن ركوعك‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا‏)‏ في رواية لابن ماجه‏:‏ ‏(‏تطمئن‏)‏ وهي على شرط مسلم وأخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده وأبو نعيم في مستخرجه والسراج عن يوسف بن موسى أحد شيوخ البخاري‏.‏

قال الحافظ‏:‏ فثبت ذكر الطمأنينة في الاعتدال على شرط الشيخين ومثله في حديث رفاعة عند أحمد وابن حبان‏.‏ وفي لفظ لأحمد‏:‏ ‏(‏فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها‏)‏ وهذه الروايات ترد مذهب من لم يوجب الطمأنينة وقد تقدم الكلام في ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا‏)‏ فيه دليل على وجوب السجود وهو إجماع ووجوب الطمأنينة فيه خلافًا لأبي حنيفة‏.‏

قوله ‏(‏ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا‏)‏ فيه دلالة على وجوب الرفع والطمأنينة فيه ولا خلاف في ذلك‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ يكفي أدنى رفع وقال مالك‏:‏ يكون أقرب إلى الجلوس‏.‏

قوله ‏(‏ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا‏)‏ فيه أيضًا وجوب السجود والطمأنينة فيه ولا خلاف في ذلك‏.‏

ـ وقد استدل ـ بهذا الحديث على عدم وجوب قعدة الاستراحة وسيأتي الكلام على ذلك في الباب الذي بعد هذا ولكنه قد ثبت في رواية للبخاري من رواية ابن نمير في باب الاستئذان بعد ذكر السجود الثاني بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا‏)‏ وهي تصلح للمتمسك بها على الوجوب ولكنه لم يقل به أحد على أنه قد أشار البخاري إلى أن ذلك وهم لأنه عقبها بقوله قال أبو أسامة في الأخير حتى يستوي قائمًا‏.‏ ويمكن أن يحمل إن كان محفوظًا على الجلوس للتشهد انتهى‏.‏ فشكك البخاري هذه الرواية التي ذكرها ابن نمير بمخالفة أبي أسامة وبقوله إن كان محفوظًا‏.‏

قال في البدر المنير ما معناه‏:‏ وقد أثبت هذه الزيادة إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير‏.‏ وكذلك البيهقي من طريقه وزاد أبو داود في حديث رفاعة‏:‏ ‏(‏فإذا جلست في وسط الصلاة يعني التشهد الأوسط فاطمئن وافرش فخذك ثم تشهد‏)‏‏.‏

ـ الحديث يدل ـ على وجوب الطمأنينة في جميع الأركان كما تقدم وقد جزم كثير من العلماء بأن واجبات الصلاة هي المذكورة في طرق هذا الحديث واستدلوا به على عدم وجوب من لم يذكر فيه‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ تقرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على وجوب ما ذكر فيه وعدم وجوب ما لم يذكر فيه فأما وجوب ما ذكر فيه فلتعلق الأمر به وأما عدم وجوب غيره فليس ذلك بمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لأمر زائد على ذلك وهو أن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وتعريف لواجبات الصلاة وذلك يقتضي انحصار الواجبات فيما ذكر ويقوي مرتبة الحصر أنه صلى اللَّه عليه وسلم ذكر ما تعلقت به الإساءة من هذا المصلي وما لم يتعلق به إساءته من واجبات الصلاة‏.‏ وهذا يدل على أنه لم يقصر المقصود على ما وقعت به الإساءة فقط‏.‏ فإذا تقرر هذا فكل موضع اختلفت العلماء في وجوبه وكان مذكورًا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه وكل موضع اختلفوا في عدم وجوبه ولم يكن مذكورًا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في عدم وجوبه لكونه غير مذكور على ما تقدم من كونه موضع تعليم ثم قال‏:‏ إلا أن على طالب التحقيق ثلاث وظائف‏:‏

أحدها أن يجمع طرق الحديث ويحصي الأمور المذكورة فيه ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب‏.‏ ثانيها إذا أقام دليلًا على أحد الأمرين إما الوجوب أو عدم الوجوب فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى وهذا عند النفي يجب التحرز فيه أكثر فلينظر عند التعارض أقوى الدليلين يعمل به قال‏:‏ وعندنا أنه إذا استدل على عدم وجوب شيء بعدم ذكره في الحديث وجاءت صيغة الأمر به في حديث آخر فالمقدم صيغة الأمر وإن كان يمكن أن يقال الحديث دليل على عدم الوجوب ويحمل صيغة الأمر على الندب ثم ضعفه بأنه إنما يتم إذا كان عدم الذكر في الرواية يدل على عدم الذكر في نفس الأمر وليس كذلك فإن عدم الذكر إنما يدل على عدم الوجوب وهو غير عدم الذكر في نفس الأمر فيقدم ما دل على الوجوب لأنه إثبات لزيادة يتعين العمل بها انتهى ‏[‏وقد اختصر الشارح كلام العلامة ابن دقيق العيد ولم يذكر الوظيفة الثالثة وقد ذكر الوظائف الثلاثة العلامة ابن دقيق في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام مستوفاة ونقلت كلام الشوكاني هذا هناك في تعليقي عليه ونص كلامه في الوظيفة الثالثة‏:‏ وثالثها أن يستمر على طريقة واحدة ولا يستعمل في طريقة ما يتركه في آخر فيتشعب نظره وأن يستعمل القوانين المعتبرة في ذلك استعمالًا واحدًا فإنه يقع هذا الاختلاف في النظر في كلام كثير من المتناظرين انتهى‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ والوظائف التي أرشد إليها قد امتثلنا رسمه فيها‏.‏

فجمعنا من طرق هذا الحديث في هذا الشرح عند الكلام على مفرداته ما تدعو الحاجة إليه وتظهر للاختلاف في ألفاظه مزيد فائدة وعملنا بالزائد فالزائد من ألفاظه فوجدنا الخارج عما اشتمل عليه حديث الباب‏.‏ الشهادتين بعد الوضوء‏.‏ وتكبير الانتقال‏.‏ والتسميع‏.‏ والإقامة‏.‏ وقراءة الفاتحة‏.‏ ووضع اليدين على الركبتين حال الركوع‏.‏ ومد الظهر‏.‏ وتمكين السجود‏.‏ وجلسة الاستراحة‏.‏ وفرش الفخذ‏.‏ والتشهد الأوسط‏.‏ والأمر بالتحميد والتكبير والتهليل والتمجيد عند عدم استطاعة القراءة‏.‏ وقد تقدم الكلام على جميعها إلا التشهد الأوسط وجلسة الاستراحة وفرش الفخذ فسيأتي الكلام على ذلك‏.‏ والخارج عن جميع ألفاظه من الواجبات المتفق عليها كما قال الحافظ والنووي النية‏.‏ والقعود الأخير‏.‏ ومن المختلف فيها التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وسلم فيه‏.‏ والسلام في آخر الصلاة‏.‏ وقد قدمنا الكلام على النية في الوضوء وسيأتي الكلام على الثلاثة الأخيرة‏.‏ وأما قوله أنها تقدم صيغة الأمر إذا جاءت في حديث آخر واختياره لذلك من دون تفصيل فنحن لا نوافقه بل نقول إذا جاءت صيغة أمر قاضية بوجوب زائد على ما في هذا الحديث فإن كانت متقدمة على تاريخه كان صارفًا لها إلى الندب لأن اقتصاره صلى اللَّه عليه وسلم في التعليم على غيرها وتركه لها من أعظم المشعرات بعدم وجوب ما تضمنته لما تقرر من أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وإن كانت متأخرة عنه فهو غير صالح لصرفها لأن الواجبات الشرعية ما زالت تتجدد وقتًا فوقتًا وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الخمس المذكورة في حديث ضمام بن ثعلبة وغيره أعني الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين لأن النبي صلى اللَّه عليه وسلم اقتصر عليها في مقام التعليم والسؤال عن جميع الواجبات واللازم باطل فالملزوم مثله‏.‏ وإن كانت صيغة الأمر الواردة بوجوب زيادة على هذا الحديث غير معلومة التقدم عليه ولا التأخر ولا المقارنة فهذا محل الإشكال ومقام الاحتمال والأصل عدم الوجوب والبراءة منه حتى يقوم دليل يوجب الانتقال عن الأصل والبراءة ولا شك أن الدليل المفيد للزيادة على حديث المسيء إذا التبس تاريخه محتمل لتقدمه عليه وتأخره فلا ينتهض للاستدلال به على الوجوب وهذا التفصيل لا بد منه وترك مراعاته خارج عن الاعتدال إلى حد الإفراط أو التفريط لأن قصر الواجبات على حديث المسيء فقط وإهدار الأدلة الواردة بعده تخيلًا لصلاحيته لصرف كل دليل يرد بعده دالًا على الوجوب سد لباب التشريع ورد لما تجدد من واجبات الصلاة ومنع للشارع من إيجاب شيء منها وهو باطل لما عرفت من تجدد الواجبات في الأوقات‏.‏

والقول بوجوب كل ما ورد الأمر به من غير تفصيل يؤدي إلى إيجاب كل أقوال الصلاة وأفعالها التي ثبتت عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من غير فرق بين أن يكون ثبوتها قبل حديث المسيء أو بعده لأنها بيان للأمر القرآني أعني قوله تعالى ‏{‏أقيموا الصلاة‏}‏ ولقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ وهو باطل لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة وهو لا يجوز عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

وهكذا الكلام في كل دليل يقضي بوجوب أمر خارج عن حديث المسيء ليس بصيغة الأمر كالتوعد على الترك أو الذم لمن لم يفعل‏.‏ وهكذا يفصل في كل دليل يقتضي عدم وجوب شيء مما اشتمل عليه حديث المسيء أو تحريمه إن فرضنا وجوده‏.‏

ـ وقد استدل ـ بالحديث على عدم وجوب الإقامة ودعاء الافتتاح ورفع اليدين في الإحرام وغيره ووضع اليمنى على اليسرى وتكبيرات الانتقال وتسبيحات الركوع والسجود وهيئات الجلوس ووضع اليد على الفخذ والقعود ونحو ذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو في معرض المنع لثبوت بعض ما ذكر في بعض الطرق اهـ‏.‏ وقد قدمنا البعض من ذلك‏.‏ وللحديث فوائد كثيرة قال أبو بكر ابن العربي فيه أربعون مسألة ثم سردها‏.‏

2 - وعن حذيفة‏:‏ ‏(‏أنه رأى رجلًا لا يتم ركوعه ولا سجوده فلما قضى صلاته دعاه فقال له حذيفة‏:‏ ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر اللَّه عليها محمدًا صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله ‏(‏رأى حذيفة رجلًا‏)‏ روى عبد الرزاق وابن خزيمة وابن حبان من طريق الثوري عن الأعمش أن هذا الرجل كان عند أبواب كندة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولم أقف على اسمه‏.‏

قوله ‏(‏ما صليت‏)‏ هو نظير قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم للمسيء‏:‏ ‏(‏فإنك لم تصل‏)‏ وزاد أحمد بعد قوله فقال له حذيفة‏:‏ ‏(‏منذ كم صليت قال منذ أربعين سنة‏)‏ وللنسائي مثل ذلك‏.‏ وحذيفة مات سنة ست وثلاثين من الهجرة فعلى هذا يكون ابتداء صلاة المذكور قبل الهجرة بأربع سنين أو أكثر‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولعل الصلاة لم تكن فرضت بعد فلعله أراد المبالغة أو لعله كان ممن يصلي قبل إسلامه فحصلت المدة المذكورة من الأمرين‏.‏ ولهذه العلة لم يذكر البخاري هذه الزيادة‏.‏

قوله ‏(‏غير الفطرة‏)‏ قال الخطابي‏:‏ الفطرة الملة والدين قال‏:‏ ويحتمل أن يكون المراد بها السنة كما في حديث‏:‏ ‏(‏خمس من الفطرة‏)‏ وقد قدمنا تفسيرها في شرح حديث خصال الفطرة‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود وعلى أن الإخلال بها يبطل الصلاة وعلى تكفير تارك الصلاة لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عنه وهو على حقيقته عند قوم وعلى المبالغة عند قوم آخرين‏.‏ وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل كتاب الصلاة‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ إن حذيفة أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل‏.‏ ويرجحه وروده من وجه آخر عند البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏سنة محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وهذه الزيادة تدل على أن حديث حذيفة المذكور مرفوع لأن قول الصحابي من السنة يفيد ذلك وقد مال إليه قوم وخالفه آخرون والأول هو الراجح‏.‏

3 - وعن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أشر الناس سرقة الذي يسرق من صلاته فقالوا‏:‏ يا رسول اللَّه وكيف يسرق من صلاته قال‏:‏ لا يتم ركوعها ولا سجودها أو قال ولا يقيم صلبه في الركوع والسجود‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله إلا أنه قال‏:‏ ‏(‏يسرق صلاته‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والأوسط قال في مجمع الزوائد‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وفيه أن ترك إقامة الصلب في الركوع والسجود جعله الشارع من أشر أنواع السرق وجعل الفاعل لذلك أشر من تلبس بهذه الوظيفة الخسيسة التي لا أوضع ولا أخبث منها تنفيرًا عن ذلك وتنبيهًا على تحريمه‏.‏ وقد صرح صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأن صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود غير مجزئة كما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن ماجه من حديث ابن مسعود بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود‏)‏ ونحوه عن علي بن شيبان عند أحمد وابن ماجه وقد تقدما في باب أن الانتصاب بعد الركوع فرض‏.‏ والأحاديث في هذا الباب كثيرة وكلها ترد على من لم يوجب الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال منهما‏.‏

 باب كيف النهوض إلى الثانية وما جاء في جلسة الاستراحة

1 - عن وائل بن حجر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن يقع كفاه فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذيه‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أبو داود من طريق عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه وقد أخرج له مسلم ووثقه ابن معين وقال‏:‏ لم يسمع من أبيه شيئًا وقال أيضًا‏:‏ مات وهو حمل قال الذهبي‏:‏ وهذا القول مردود بما صح عنه أنه قال‏:‏ كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي‏.‏ وأخرجه من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكليب والد عاصم لم يدرك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فحديثه مرسل قال ذلك الترمذي والمنذري وغيرهما وقد تقدم تفصيل ذلك في باب هيئات السجود‏.‏

قوله ‏(‏وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن يقع كفاه‏)‏ وقد تقدم الكلام على هذه الهيئة وما فيها من الاختلاف في باب هيئات السجود‏.‏

قوله ‏(‏فلما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه‏)‏ لم يذكر هذا أبو داود في الباب الذي ذكر فيه طرق حديث وائل وإنما ذكره في باب افتتاح الصلاة‏.‏ والمجافاة المباعدة وهو من الجفاء وهو البعد عن الشيء‏.‏

قوله ‏(‏وإذا نهض نهض على ركبتيه‏)‏ فيه مشروعية النهوض على الركبتين والاعتماد على الفخذين لا على الأرض‏.‏

قوله ‏(‏على فخذيه‏)‏ الذي في سنن أبي داود على فخذه بلفظ الإفراد وقيده ابن رسلان في شرح السنن بالإفراد أيضًا وقال‏:‏ هكذا الرواية ثم قال‏:‏ وفي رواية أظنها لغير المصنف يعني أبا داود على فخذيه بالتثنية وهو اللائق بالمعنى‏.‏ ورواه أيضًا أبو داود في باب افتتاح الصلاة بالإفراد قال ابن رسلان‏:‏ ولعل المراد التثنية كما في ركبتيه‏.‏

2 - وعن مالك بن الحويرث‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلمًا وابن ماجه‏.‏

الحديث فيه مشروعية جلسة الاستراحة وهي بعد الفراغ من السجدة الثانية وقبل النهوض إلى الركعة الثانية والرابعة‏.‏ وقد ذهب إلى ذلك الشافعي في المشهور عنه وطائفة من أهل الحديث وعن أحمد روايتان‏.‏ وذكر الخلال أن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر واحتج لهم الطحاوي بحديث أبي أحمد الساعدي المشتمل على وصف صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولم يذكر فيه هذه الجلسة بل ثبت في بعض ألفاظه‏:‏ ‏(‏أنه قام ولم يتورك‏)‏ كما أخرجه أبو داود قال‏:‏ فيحتمل أن ما فعله في حديث مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد من أجلها لأن ذلك من سنة الصلاة ثم قوى ذلك بأنها لو كانت مقصودة لشرع لها ذكر مخصوص وتعقب بأن الأصل عدم العلة وبأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث ‏(‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏)‏ فحكاياته لصفات صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر‏.‏ وحديث أبي حميد يستدل به على عدم وجوبها وأنه تركها لبيان الجواز لا على عدم مشروعيتها على أنها لم تتفق الروايات عن أبي حميد في نفي هذه الجلسة بل أخرج أبو داود والترمذي وأحمد عنه من وجه آخر بإثباتها‏.‏ وأما الذكر المخصوص فإنها جلسة خفيفة جدًا استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام‏.‏

ـ واحتج بعضهم ـ على نفي كونها سنة بأنها لو كانت كذلك لذكرها كل من وصف صلاته وهو متعقب بأن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصف صلاته إنما أخذ مجموعها عن مجموعهم‏.‏

ـ واحتجوا أيضًا ـ على عدم مشروعيتها بما وقع في حديث وائل بن حجر عند البزار بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا رفع رأسه من السجدتين استوى قائمًا‏)‏ وهذا الاحتجاج يرد على من قال بالوجوب لا من قال بالاستحباب لما عرفت على أن حديث وائل قد ذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف‏.‏

ـ واحتجوا ـ أيضًا بما أخرجه الطبراني من حديث معاذ أنه كان يقوم كأنه السهم وهذا لا ينفي الاستحباب المدعى على أن في إسناده متهمًا بالكذب وقد عرفت مما قدمنا في شرح حديث المسيء أن جلسة الاستراحة مذكورة فيه عند البخاري وغيره لا كما زعمه النووي من أنها لم تذكر فيه وذكرها فيه يصلح للاستدلال به على وجوبها لولا ما ذكرنا فيما تقدم من إشارة البخاري إلى أن ذكر هذه الجلسة وهم وما ذكرنا أيضًا من أنه لم يقل بوجوبها أحد وقد صرح بمثل ذلك الحافظ في الفتح‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما احتج به القائلون بنفي استحبابها حديث وائل بن حجر عند أبي داود المتقدم قبل حديث الباب‏.‏ وما روى ابن المنذر عن النعمان ابن أبي عياش قال‏:‏ أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس وذلك لا ينافي القول بأنها سنة لأن الترك لها من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في بعض الحالات إنما ينافي وجوبها فقط وكذلك ترك بعض الصحابة لها لا يقدح في سنيتها لأن ترك ما ليس بواجب جائز‏.‏

 باب افتتاح الثانية بالقراءة من غير تعوذ ولا سكتة

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا نهض في الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد للَّه رب العالمين ولم يسكت‏)‏‏.‏

رواه مسلم‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه من حديث عبد الواحد وغيره عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة أخرجه أيضًا أبو داود وليس عنده إلا السكتة في الركعة الأولى وذكر دعاء الاستفتاح فيها وكذلك هو عند ابن ماجه بلفظ أبي داود وعند النسائي من هذا الوجه عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كانت له سكتة إذا افتتح الصلاة‏)‏‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على عدم مشروعية السكتة قبل القراءة في الركعة الثانية وكذلك عدم مشروعية التعوذ فيها وحكم ما بعدها من الركعات حكمها فتكون السكتة قبل القراءة مختصة بالركعة الأولى وكذلك التعوذ قبلها وقد تقدم الكلام في السكتتين في باب ما جاء في السكتتين وفي التعوذ في بابه المتقدم وقد رجح صاحب الهدى الاقتصار على التعوذ في الأولى لهذا الحديث واستدل لذلك بأدلة فليراجع‏.‏

 باب الأمر بالتشهد الأول وسقوطه بالسهو

1 - عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏أن محمدًا صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات للَّه والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

الحديث رواه أحمد من طرق بألفاظ فيها بعض اختلاف وفي بعضها طول وجميعها رجالها ثقات وإنما عزاه المصنف رحمه اللَّه إلى أحمد والنسائي باعتبار الزيادة التي في أوله وهي ‏(‏إذا قعدتم في كل ركعتين‏)‏ فإنها لم تكن عند غيرهما بهذا اللفظ وهو عند الترمذي بلفظ‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ علمنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قعدنا في الركعتين‏)‏ وفي رواية أخرى للنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏فقولوا في كل جلسة‏)‏ وأما سائر ألفاظ الحديث إلى قوله ‏(‏ثم ليتخير‏)‏ فقد اتفق على إخراجه الجماعة كلهم وسيذكره المصنف‏.‏ وأما زيادة قوله ‏(‏ثم ليتخير‏)‏ إلى آخر الحديث فأخرجها البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به‏)‏ وفي لفظ له‏:‏ ‏(‏ثم يتخير من الثناء ما شاء‏)‏ وأخرجها أيضًا مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم يتخير من المسألة ما شاء‏)‏ وفي رواية للنسائي عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏ثم يدعو لنفسه بما بدا له‏)‏ قال الحافظ‏:‏ إسنادها صحيح‏.‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه‏)‏‏.‏

وقوله ‏(‏فقولوا التحيات‏)‏ فيه دليل لمن قال بوجوب التشهد الأوسط وهو أحمد في المشهور عنه والليث وإسحاق وهو قول للشافعي وإليه ذهب داود وأبو ثور ورواه النووي عن جمهور المحدثين‏.‏ ومما يدل على ذلك إطلاق الأحاديث الواردة بالتشهد وعدم تقييدها بالأخير‏.‏

ـ واحتج الطبري ـ لوجوبه بأن الصلاة وجبت أولًا ركعتين وكان التشهد فيها واجبًا فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الواجب وتعقب بأن الزيادة لم تتعين في الأخريين بل يحتمل أن يكون هما الفرض الأول والمزيد هما الركعتان الأوليان بتشهدهما‏.‏ ويؤيده استمرار السلام بعد التشهد الأخير كما كان كذا قال الحافظ‏.‏ ولا يخفى ما في هذا التعقب من التعسف وغاية ما استدل به القائلون بعدم الوجوب أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ترك التشهد الأوسط ولم يرجع إليه ولا أنكر على أصحابه متابعته في الترك وجبره بسجود السهو فلو كان واجبًا لرجع إليه وأنكر على أصحابه متابعته ولم يكتف في تجبيره بسجود السهو ويجاب عن ذلك بأن الرجوع على تسليم وجوبه للواجب المتروك إنما يلزم إذا ذكره المصلي وهو في الصلاة ولم ينقل إلينا أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذكره قبل الفراغ اللَّهم إلا أن يقال إنه قد روى أن الصحابة سبحوا به فمضى حتى فرغ كما يأتي وذلك يستلزم أنه علم به‏.‏ وترك إنكاره على المؤتمين به متابعته إنما يكون حجة بعد تسليم أنه يجب على المؤتمين ترك متابعة الإمام إذا ترك واجبًا من واجبات الصلاة وهو ممنوع والسند الأحاديث الدالة على وجوب المتابعة وتجبيره بالسجود إنما يكون دليلًا على عدم الوجوب إذا سلمنا أن سجود السهو إنما يجبر به المسنون دون الواجب وهو غير مسلم‏.‏

ـ والحاصل ـ أن حكمه حكم التشهد الأخير وسيأتي والتفرقة بينهما ليس عليها دليل يرتفع به النزاع على أنه يدل على مزيد خصوصية للتشهد الأوسط ذكره في حديث المسيء كما تقدم في شرحه وسيأتي‏.‏

قوله ‏(‏التحيات للَّه‏)‏ إلى آخر ألفاظ التشهد سيأتي شرحها في باب ذكر تشهد ابن مسعود‏.‏

قوله ‏(‏ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه‏)‏ فيه الإذن بكل دعاء أراد المصلي أن يدعو به في هذا الموضع وعدم لزوم الاقتصار على ما ورد عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

2 - وعن رفاعة بن رافع عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا قمت في صلاتك فكبر ثم اقرأ ما تيسر عليك من القرآن فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

هذا طرف من حديث رفاعة في تعليم المسيء وقد أخرجه أيضًا النسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه ولكنه انفرد أبو داود بهذه الزيادة أعني قوله ‏(‏فإذا جلست في وسط الصلاة‏)‏ الخ وفي إسنادها محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث‏.‏

قوله ‏(‏في وسط الصلاة‏)‏ بفتح السين قال في النهاية‏:‏ يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب بسكون السين وما كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح والمراد هنا القعود للتشهد الأول في الرباعية ويلحق به الأول في الثلاثية‏.‏

قوله ‏(‏فاطمئن‏)‏ يؤخذ منه أن المصلي لا يشرع في التشهد حتى يطمئن يعني يستقر كل مفصل في مكانه ويسكن من الحركة‏.‏

قوله ‏(‏وافترش فخذك اليسرى‏)‏ أي ألقها على الأرض وابسطها كالفراش للجلوس عليها والافتراش في وسط الصلاة موافق لمذهب الشافعي وأحمد لكن أحمد يقول يفترش في التشهد الثاني كالأول‏.‏ والشافعي يتورك في الثاني ومالك يتورك فيهما كذا ذكره ابن رسلان في شرح السنن‏.‏ وفيه دليل لمن قال إن السنة الافتراش في الجلوس للتشهد الأوسط وهم الجمهور‏.‏ قال ابن القيم‏:‏ ولم يرو عنه في هذه الجلسة غير هذه الصفة يعني الفرش والنصب وقال مالك‏:‏ يتورك فيه لحديث ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يجلس في وسط الصلاة وفي آخرها متوركًا‏)‏ قال ابن القيم‏:‏ لم يذكر عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم التورك إلا في التشهد الأخير‏.‏

ـ والحديث ـ فيه دليل لمن قال بوجوب التشهد الأوسط وقد تقدم الاختلاف فيه‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه ابن بحينة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدها الناس معه مكان ما نسي من الجلوس‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد اللَّه ابن بحينة‏)‏ بحينة اسم أم عبد اللَّه أو اسم أم أبيه قال الحافظ‏:‏ فعلى هذا ينبغي أن يكتب ابن بحينة بالألف‏.‏

قوله ‏(‏قام في صلاة الظهر‏)‏ زاد الضحاك بن عثمان الأعرج‏:‏ ‏(‏فسبحوا به فمضى حتى فرغ من صلاته‏)‏ أخرجه ابن خزيمة‏.‏ وعند النسائي والحاكم نحو هذه الزيادة‏.‏

قوله ‏(‏وعليه جلوس‏)‏ فيه إشعار بالوجوب حيث قال وعليه جلوس‏.‏

قوله ‏(‏يكبر في كل سجود‏)‏ فيه مشروعية تكبير النقل في سجود السهو‏.‏

قوله ‏(‏وهو جالس‏)‏ جملة حالية متعلقة بقوله سجد أي أنشأ السجود جالسًا‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به من قال بأن التشهد الأوسط غير واجب وتقدم وجه دلالته على ذلك والجواب عنه‏.‏

 باب صفة الجلوس في التشهد وبين السجدتين وما جاء في التورك والإقعاء

1 - عن وائل بن حجر‏:‏ ‏(‏أنه رأى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي فسجد ثم قعد فافترش رجله اليسرى‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي‏.‏ وفي لفظ لسعيد بن منصور قال‏:‏ ‏(‏صليت خلف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فلما قعد وتشهد فرش قدمه اليسرى على الأرض وجلس عليها‏)‏‏.‏

2 - وعن رفاعة بن رافع‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال للأعرابي إذا سجدت فمكن سجودك فإذا جلست فاجلس على رجلك اليسرى‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث وائل أخرجه أيضًا ابن ماجه والترمذي وقال‏:‏ حسن صحيح وحديث رفاعة أخرجه أيضًا أبو داود باللفظ الذي سبق في الباب الأول ولا مطعن في إسناده‏.‏

وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة وابن حبان وقد احتج بالحديثين القائلون باستحباب فرش اليسرى ونصب اليمنى في التشهد الأخير وهم زيد بن علي والهادي والقاسم والمؤيد باللَّه وأبو حنيفة وأصحابه والثوري‏.‏ وقال مالك والشافعي وأصحابه‏:‏ إنه يتورك المصلي في التشهد الأخير‏.‏ وقال أحمد بن حنبل‏:‏ إن التورك يختص بالصلاة التي فيها تشهدان‏.‏

ـ واستدل ـ الأولون أيضًا بما أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حسن صحيح من حديث أبي حميد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جلس يعني للتشهد فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدور اليمنى على قبلته‏)‏ الحديث وبحديث عائشة الآتي‏.‏ ووجه الاستدلال بهذين الحديثين وبحديثي الباب أن رواتها ذكروا هذه الصفة لجلوس التشهد ولم يقيدوه بالأول واقتصارهم عليها من دون تعرض لذكر غيرها مشعر بأنها هي الهيئة المشروعة في التشهدين جميعًا ولو كانت مختصة بالأول لذكروا هيئة التشهد الأخير ولم يهملوه لا سيما وهم بصدد بيان صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وتعليمه لمن لا يحسن الصلاة فعلم بذلك أن هذه الهيئة شاملة لهما‏.‏ ويمكن أن يقال إن هذه الجلسة التي ذكر هيئتها أبو حميد في هذا الحديث هي جلسة التشهد الأول بدليل حديثه الآتي فإنه وصف هيئة الجلوس الأول بهذه الصفة ثم ذكر بعدها هيئة الجلوس الآخر فذكر فيها التورك واقتصاره على بعض الحديث في هذه الرواية ليس بمناف لما ثبت عنه في الرواية الأخرى لا سيما وهي ثابتة في صحيح البخاري ولا يعد ذلك الاقتصار إلا لبيان هيئة التشهد الأخير في مقام التصدي لصفة جميع الصلوات لأنه ربما اقتصر من ذلك على ما تدعو الحاجة إليه ويقال في حديث رفاعة المذكور ههنا أنه مبين بروايته المتقدمة في الباب الأول‏.‏

وأما حديث وائل وحديث عائشة فقد أجاب عنهما القائلون بمشروعية التورك في التشهد الأخير بأنهما محمولان على التشهد الأوسط جمعًا بين الأدلة لأنهما مطلقان عن التقييد بأحد الجلوسين‏.‏ وحديث أبي حميد مقيد وحمل المطلق على المقيد واجب ولا يخفاك أنه يبعد هذا الجمع ما قدمنا من أن مقام التصدي لبيان صفة صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأبى الاقتصار على ذكر هيئة أحد التشهدين وإغفال الآخر مع كون صفته مخالفة لصفة المذكور لا سيما حديث عائشة فإنها قد تعرضت فيه لبيان الذكر المشروع في كل ركعتين وعقبت ذلك بذكر هيئة الجلوس قمن البعيد أن يخص بهذه الهيئة أحدهما ويهمل الآخر ولكنه يلوح من هذا أن مشروعية التورك في الأخير آكد من مشروعية النصب والفرش وأما أنه ينفي مشروعية النصب والفرش فلا وإن كان حق حمل المطلق على المقيد هو ذلك لكنه منع من المصير إليه ما عرفناك‏.‏

والتفصيل الذي ذهب إليه أحمد يرده قول أبي حميد في حديثه الآتي فإذا جلس في الركعة الأخيرة‏.‏ وفي رواية لأبي داود حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم‏.‏ وقد اعتذر ابن القيم عن ذلك بما لا طائل تحته وقد ذكر مسلم في صحيحه من حديث ابن الزبير صفة ثالثة لجلوس التشهد الأخير وهي أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يجعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه ويفرش قدمه اليمنى واختار هذه الصفة أبو القاسم الخرقي في مصنفه ولعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يفعل هذا تارة‏.‏

وقد وقع الخلاف في الجلوس للتشهد الأخير هل هو واجب أم لا فقال بالوجوب عمر بن الخطاب وأبو مسعود وأبو حنيفة والشافعي‏.‏ ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللَّه‏.‏ وقال علي بن أبي طالب والثوري والزهري ومالك إنه غير واجب‏.‏

ـ استدل الأولون ـ بملازمته صلى اللَّه عليه وآله وسلم له والآخرون بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم يعلمه المسيء ومجرد الملازمة لا تفيد الوجوب وهذا هو الظاهر لا سيما مع قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في حديث المسيء بعد أن علمه فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ولا يتوهم أن ما دل على وجوب التسليم دل على وجوب جلوس التشهد لأنه لا ملازمة بينهما‏.‏

3 - وعن أبي حميد أنه قال وهو في نفر من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كنت أحفظكم لصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الأخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته‏)‏‏.‏

رواه البخاري وقد سبق لغيره بلفظ أبسط من هذا‏.‏

الحديث تقدم في باب رفع اليدين وههنا ألفاظ لم تذكر هنالك وبعضها محتاج إلى الشرح فمن ذلك قوله ‏(‏ثم هصر ظهره‏)‏ هو بالهاء والصاد المهملة المفتوحتين أي ثناه في استواء من غير تقويس ذكره الخطابي‏.‏

قوله ‏(‏حتى يعود كل فقار‏)‏ الفقار بفتح الفاء والقاف جمع فقارة وهي عظام الظهر وهي العظام التي يقال لها خرز الظهر قاله القزاز‏.‏

وقال ابن سيده‏:‏ هي من الكاهل إلى العجب وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي أن عدتها سبع عشرة وفي أمالي الزجاج أصولها سبع غير التوابع‏.‏ وعن الأصمعي هي خمس وعشرون سبع في العنق وخمس في الصلب وبقيتها في طرف الأضلاع كذا في الفتح‏.‏

قوله ‏(‏واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة‏)‏ فيه حجة لمن قال إن السنة أن ينصب قدميه في السجود وأن تكون أصابع رجليه متوجهة إلى القبلة وإنما يحصل توجيهها بالتحامل عليها والاعتماد على بطونها‏.‏

ـ والحديث ـ قد اشتمل على جمل واسعة من صفة صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد تقدم الكلام على كل فرد منها في بابه‏.‏ وقد ساقه المصنف ههنا للاستدلال به على مشروعية التورك وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب‏.‏

4 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد للَّه رب العالمين وكان إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه وكان بين ذلك وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائمًا وإذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستوي جالسًا وكان يقول في كل ركعتين التحية وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقب الشيطان وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وكان يختم الصلاة بالتسليم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

الحديث له علة وهي أنه رواه أبو الجوزاء عن عائشة قال ابن عبد البر‏:‏ لم يسمع منها وحديثه عنها مرسل‏.‏

قوله ‏(‏يفتتح الصلاة بالتكبير‏)‏ هو اللَّه أكبر وفيه رد على من قال إنه يجزئ كل ما فيه تعظيم نحو اللَّه أجل اللَّه أعظم وهو أبو حنيفة‏.‏

قوله ‏(‏والقراءة بالحمد للَّه‏)‏ قال النووي‏:‏ هو برفع الدال على الحكاية وبه تمسك من قال بمشروعية ترك الجهر بالبسملة في الصلاة وأجيب عنه بأن المراد بذلك اسم السورة ونوقش هذا الجواب بأنه لو كان المراد اسم السورة لقالت عائشة بالحمد لأنه وحده هو الاسم ورد ذلك بما ثبت عند أبي داود من حديث أبي هريرة مرفوعًا‏:‏ ‏(‏الحمد للَّه رب العالمين أم القرآن والسبع المثاني‏)‏ وبما عند البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏الحمد للَّه رب العالمين هي السبع المثاني‏)‏ ويمكن الجواب عن ذلك الاستدلال بأنها ذكرت أول آية من الآيات التي تخص السورة وتركت البسملة لأنها مشتركة بينها وبين غيرها من السورة وقد تقدم البحث عن هذا مبسوطًا‏.‏

قوله ‏(‏ولم يصوبه‏)‏ قد تقدم ضبط هذا اللفظ وتفسيره في حديث أبي حميد السابق في باب رفع اليدين‏.‏

قوله ‏(‏وكان يقول في كل ركعتين التحية‏)‏ فيه التصريح بمشروعية التشهد الأوسط والأخير والتسوية بينهما وقد تقدم الكلام عليهما‏.‏

قوله ‏(‏وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى‏)‏ استدل به من قال بمشروعية النصب والفرش في التشهدين جميعًا ووجهه ما قدمنا من الإطلاق وعدم التقييد في مقام التصدي لوصف صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا سيما بعد وصفها للذكر المشروع في التشهدين جميعًا وقد بينا ما هو الحق في أول الباب‏.‏

قوله ‏(‏وكان ينهى عن عقب الشيطان‏)‏ قيده النووي وغيره بفتح العين وكسر القاف قال‏:‏ وهذا هو الصحيح المشهور فيه‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ وحكي ضم العين مع فتح القاف جمع عقبة بضم العين وسكون القاف وقد ضعف ذلك القاضي عياض وفسره أبو عبيد وغيره بالإقعاء المنهي عنه وهو أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب‏.‏ وقال ابن رسلان في شرح السنن‏:‏ هي أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه‏.‏

قوله ‏(‏وكان ينهى أن يفرش الرجل ذراعيه افتراش السبع‏)‏ هو أن يضع ذراعيه على الأرض في السجود ويفضي بمرفقه وكفه إلى الأرض‏.‏

ـ والحديث ـ قد اشتمل على كثير من فروض الصلاة وأركانها وقد تقدم الكلام على جميع ما فيه كل شيء في بابه إلا التسليم فسيأتي البحث عنه‏.‏

5 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏نهاني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن ثلاث عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه البيهقي أيضًا وأشار إليه الترمذي وهو من رواية ليث بن أبي سليم وأخرجه أيضًا أبو يعلى والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد‏:‏ وإسناد أحمد حسن والنهي عن نقرة كنقرة الغراب أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن شبل والنهي عن الإقعاء أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه من حديث علي مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تقع بين السجدتين‏)‏ وفي إسناده الحارث الأعور وأخرجه ابن ماجه من رواية أنس بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى الكلب ضع إليتيك بين قدميك والزق ظاهر قدميك بالأرض‏)‏ وفي إسناده العلاء أبو محمد وقد ضعفه بعض الأئمة وأخرج البيهقي من روايته حديثًا آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏نهى عن الإقعاء والتورك‏)‏ وأخرج أيضًا من حديث جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن الإقعاء في الصلاة‏)‏ وأخرج ابن ماجه عن عائشة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي جالسًا وكان يفرش رجله اليسرى‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن نقرة كنقرة الديك‏)‏ النقرة بفتح النون والمراد بها كما قال ابن الأثير‏:‏ ترك الطمأنينة وتخفيف السجود وأن لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد الأكل منه كالجيفة لأنه يتابع في النقر منها من غير تلبث‏.‏

قوله ‏(‏وإقعاء كإقعاء الكلب‏)‏ الإقعاء قد اختلف في تفسيره اختلافًا كثيرًا‏.‏ قال النووي‏:‏ والصواب الذي لا يعدل عنه أن الإقعاء نوعان‏:‏ أحدهما أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام وآخرون من أهل اللغة وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه‏.‏ والنوع الثاني أن يجعل إليتيه على العقبين بين السجدتين اهـ‏.‏ قال في النهاية‏:‏ والأول أصح‏.‏

قوله ‏(‏والتفات كالتفات الثعلب‏)‏ فيه كراهة الالتفات في الصلاة وقد وردت بالمنع منه أحاديث وثبت أن الالتفات اختلاس من الشيطان وسيأتي الكلام على الالتفات في الباب الذي عقده المصنف له‏.‏ وقد اختلف أهل العلم في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث الواردة بالنهي عن الإقعاء وما روي عن ابن عباس أنه قال في الإقعاء على القدمين بين السجدتين‏:‏ إنه السنة فقال له طاوس‏:‏ إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس‏:‏ هي سنة نبيكم‏.‏ أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود‏.‏ وأخرج البيهقي عن ابن عمر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه من السنة‏.‏ وعن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقعيان‏.‏ وعن طاوس قال‏:‏ رأيت العبادلة يقعون‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأسانيدها صحيحة فقال الخطابي والماوردي‏:‏ إن الإقعاء منسوخ ولعل ابن عباس لم يبلغه النهي‏.‏

وقد أنكر القول بالنسخ ابن الصلاح والنووي وقال البيهقي والقاضي عياض وابن الصلاح والنووي وجماعة من المحققين‏:‏ إنه يجمع بينها بأن الإقعاء الذي ورد النهي عنه هو الذي يكون كإقعاء الكلب على ما تقدم من تفسير أئمة اللغة والإقعاء الذي صرح ابن عباس وغيره أنه من السنة هو وضع الأليتين على العقبين بين السجدتين والركبتان على الأرض وهذا الجمع لا بد منه‏.‏

وأحاديث النهي والمعارض لها يرشد إليه لما فيها من التصريح بإقعاء الكلب ولما في أحاديث العبادلة من التصريح بالإقعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع‏.‏ وقد روي عن ابن عباس أيضًا أنه قال‏:‏ من السنة أن تمس عقبيك إليتيك وهو مفسر للمراد فالقول بالنسخ غفلة عن ذلك وعما صرح به الحفاظ من جهل تاريخ هذه الأحاديث وعن المنع من المصير إلى النسخ مع إمكان الجمع‏.‏

وقد روي عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم فعله كما قال النووي ونص الشافعي في البويطي والإملاء على استحبابه‏.‏ وأما النهي عن عقب الشيطان فقد عرفت تفسير ذلك في شرح الحديث الأول‏.‏ وقال الحافظ في التلخيص‏:‏ يحتمل أن يكون واردًا للجلوس للتشهد الأخير فلا يكون منافيًا للقعود على العقبين بين السجدتين والأولى أن يمنع كون الإقعاء المروي عن العبادلة مما يصدق عليه حديث النهي عن عقب الشيطان مسندًا بما تقدم في تفسيره‏.‏

 باب ذكر تشهد ابن مسعود وغيره

1 - عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏علمني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن التحيات للَّه والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏)‏‏.‏

رواه الجماعة وفي لفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات للَّه‏)‏ وذكره وفيه عند قوله‏:‏ ‏(‏وعلى عباد اللَّه الصالحين فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد للَّه صالح في السماء والأرض‏)‏ وفي آخره‏:‏ ‏(‏ثم يتخير من المسألة ما شاء‏)‏ متفق عليه‏.‏ ولأحمد من حديث أبي عبيدة عن عبد اللَّه قال‏:‏ ‏(‏علمه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم التشهد وأمره أن يعلمه الناس التحيات للَّه‏)‏ وذكره قال الترمذي‏:‏ حديث ابن مسعود أصح حديث في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين‏.‏

الحديث قال أبو بكر البزار أيضًا‏:‏ هو أصح حديث في التشهد قال‏:‏ وقد روي من نيف وعشرين طريقًا وسرد أكثرها‏.‏

وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة وقال مسلم‏:‏ إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضًا وغيره قد اختلف أصحابه‏.‏ وقال الذهلي‏:‏ إنه أصح حديث روي في التشهد ومن مرجحاته أنه متفق عليه دون غيره وأن رواته لم يختلفوا في حرف منه بل نقلوه مرفوعًا على صفة واحدة وقد روى التشهد عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جماعة من الصحابة غير ابن مسعود منهم ابن عباس وسيأتي حديثه‏.‏ ومنهم جابر أخرج حديثه النسائي وابن ماجه والترمذي في العلل والحاكم ورجاله ثقات‏.‏ ومنهم عمر أخرج حديثه مالك والشافعي والحاكم والبيهقي روي مرفوعًا‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ لم يختلفوا في أنه موقوف عليه‏.‏ ومنهم ابن عمر أخرج حديثه أبو داود والدارقطني والطبراني‏.‏ ومنهم علي أخرج حديثه الطبراني بإسناد ضعيف‏.‏ ومنهم أبو موسى أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني‏.‏ ومنهم عائشة أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي ورجح الدارقطني وقفه‏.‏ ومنهم سمرة أخرجه أبو داود وإسناده ضعيف‏.‏ ومنهم ابن الزبير أخرجه الطبراني وقال‏:‏ تفرد به ابن لهيعة‏.‏ ومنهم معاوية أخرجه الطبراني وإسناده حسن قاله الحافظ‏.‏ ومنهم سلمان أخرجه الطبراني والبزار وإسناده ضعيف‏.‏ ومنهم أبو حميد أخرجه الطبراني‏.‏ ومنهم أبو بكر أخرجه البزار وإسناده حسن وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفًا‏.‏ ومنهم الحسين بن علي أخرجه الطبراني‏.‏ ومنهم طلحة بن عبيد اللَّه قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ ومنهم أنس قال‏:‏ وإسناده صحيح‏.‏ ومنهم أبو هريرة قال‏:‏ وإسناده صحيح أيضًا‏.‏ ومنهم أبو سعيد قال‏:‏ وإسناده صحيح أيضًا‏.‏ ومنهم الفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى وفي أسانيدهم مقال وبعضها مقارب‏.‏

قوله ‏(‏التحيات للَّه‏)‏ هي جمع تحية قال الحافظ‏:‏ ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك‏.‏ قال المحب الطبري‏:‏ يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركًا بين هذه المعاني‏.‏ وقال الخطابي والبغوي‏:‏ المراد بالتحيات أنواع التعظيم‏.‏

قوله ‏(‏والصلوات‏)‏ قيل المراد الخمس وقيل أعم وقيل العبادات كلها وقيل الدعوات وقيل الرحمة وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات العبادات المالية كذا قال الحافظ‏.‏

قوله ‏(‏والطيبات‏)‏ قيل هي ما طاب من الكلام‏.‏ وقيل ذكر اللَّه وهو أخص‏.‏ وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم‏.‏

قال البيضاوي‏:‏ يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفًا على التحيات ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوفة عليها‏.‏ قال ابن مالك‏:‏ إذا جعلت التحيات مبتدأ ولم يكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض فكل جملة مستقلة وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو‏.‏

قوله ‏(‏السلام‏)‏ قال الحافظ في التلخيص‏:‏ أكثر الروايات فيه يعني حديث ابن مسعود بتعريف السلام في الموضعين ووقع في رواية للنسائي سلام علينا بالتنكير وفي رواية للطبراني سلام عليك بالتنكير‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس قال النووي‏:‏ لا خلاف في جواز الأمرين ولكن بالألف واللام أفضل وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم وأصله النصب وعدل إلى الرفع على الابتداء للدلالة على الدوام والثبات‏.‏

والتعريف فيه بالألف واللام إما للعهد التقديري أي السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي أو للجنس أي السلام المعروف لكل أحد وهو اسم من أسماء اللَّه تعالى ومعناه التعويذ باللَّه والتحصين أو هو السلامة من كل عيب وآفة ونقص وفساد‏.‏ قال البيضاوي‏:‏ علمهم أن يفردوه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم لأن الاهتمام بها أهم ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا لهم اهـ والمراد بقوله رحمة اللَّه إحسانه‏.‏ وقوله وبركاته زيادة من كل خير قاله الحافظ‏.‏

قوله ‏(‏أشهد أن لا إله إلا اللَّه‏)‏ زاد بن أبي شيبة وحده لا شريك له قال الحافظ في الفتح‏:‏ وسنده ضعيف لكن ثبتت هذه الرواية في حديث أبي موسى عند مسلم‏.‏ وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني وعند أبي داود عن ابن عمر أنه قال‏:‏ زدت فيها وحده لا شريك له وإسناده صحيح‏.‏

قوله ‏(‏وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏)‏ سيأتي في حديث ابن عباس بدون قوله عبده‏.‏ وقد أخرج عبد الرزاق عن عطاء‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر رجلًا أن يقول عبده ورسوله‏)‏ ورجاله ثقات لولا إرساله‏.‏

قوله ‏(‏فإنكم إذا فعلتم ذلك‏)‏ في لفظ للبخاري‏:‏ فإنكم إذا قلتموها والمراد قوله وعلى عباد اللَّه الصالحين وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد‏.‏

قوله ‏(‏على كل عبد صالح‏)‏ استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى باللام يعم‏.‏

قوله ‏(‏في السماء والأرض‏)‏ في رواية بين السماء والأرض أخرجها الإسماعيلي وغيره‏.‏

قوله ‏(‏ثم يتخير من المسألة‏)‏ قد قدمنا في باب الأمر بالتشهد الأول اختلاف الروايات في هذه الكلمة وفي ذلك دليل على مشروعية الدعاء في الصلاة قبل السلام من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا وإلى ذلك ذهب الجمهور‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ لا يجوز إلا بالدعوات المأثورة في القرآن والسنة وقالت الهادوية‏:‏ لا يجوز مطلقًا‏.‏

ـ والحديث ـ وغيره من الأدلة المتكاثرة التي فيها الإذن بمطلق الدعاء ومقيدة ترد عليهم ولولا ما رواه ابن رسلان عن البعض من الإجماع على عدم وجوب الدعاء قبل السلام لكان الحديث منتهضًا للاستدلال به عليه لأن التخير في آحاد الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال ابن رشد وهو المتقرر في الأصول إنه قد ذهب إلى الوجوب أهل الظاهر وروي عن أبي هريرة‏.‏

ـ وقد استدل ـ بقوله في الحديث‏:‏ ‏(‏إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل‏)‏ وبقوله في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏وأمره أن يعلمه الناس‏)‏ القائلون بوجوب التشهد الأخير وهم عمر وابن عمر وأبو مسعود والهادي والقاسم والشافعي وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ مذهب أبي حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء أن التشهدين سنة وإليه ذهب الناصر من أهل البيت عليهم السلام‏.‏ قال‏:‏ وروي عن مالك القول بوجوب الأخير‏.‏

ـ واستدل القائلون ـ بالوجوب أيضًا بقول ابن مسعود‏:‏ كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على عباد اللَّه الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وصححاه وهو مشعر بفرضية التشهد‏.‏ وأجاب عن ذلك القائلون بعدم الوجوب بأن الأوامر المذكورة في الحديث للإرشاد لعدم ذكر التشهد الأخير في حديث المسيء وعن قول ابن مسعود بأنه تفرد به ابن عيينة كما قال ابن عبد البر ولكن هذا لا يعد قادحًا‏.‏ وأما الاعتذار بعدم الذكر في حديث المسيء فصحيح إلا أن يعلم تأخر الأمر بالتشهد عنه كما قدمنا‏.‏ وأما الاعتذار عن الوجوب بأن الأمر المذكور صرف لهم عما كانوا يقولون من تلقاء أنفسهم فلا يدل على الوجوب أو بأن قول ابن عباس كما يعلمنا السورة يرشد إلى الإرشاد لأن تعليم السورة غير واجب فمما لا يعول عليه‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما استدل به القائلون بعدم الوجوب ما ثبت في بعض روايات حديث المسيء من قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك‏)‏ ويتوجه على القائلين بالوجوب إيجاب جميع التشهد وعدم التخصيص بالشهادتين كما قالت الهادوية بنفس الدليل الذي استدلوا به على ذلك‏.‏

وقد اختلف العلماء في الأفضل من التشهدات فذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك إلى أن تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظ المباركات فيه كما يأتي‏.‏ وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث‏:‏ تشهد ابن مسعود أفضل لما قدمناه من المرجحات وقال مالك‏:‏ تشهد عمر بن الخطاب أفضل لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد ولفظه‏:‏ ‏(‏التحيات للَّه الزاكيات الطيبات الصلوات للَّه‏)‏ الحديث‏.‏ وفي رواية بسم اللَّه خير الأسماء قال البيهقي‏:‏ لم يختلفوا في أن هذا الحديث موقوف على عمر ورواه بعض المتأخرين عن مالك مرفوعًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهو وهم وقالت الهادوية‏:‏ أفضلها ما رواه زيد بن علي عن علي عليه السلام ولفظه‏:‏ ‏(‏بسم اللَّه وباللَّه والحمد للَّه والأسماء الحسنى كلها للَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏)‏ وضم إليه أبو طالب ما رواه الهادي في المنتخب من زيادة التحيات للَّه والصلوات والطيبات بعد قوله والأسماء الحسنى كلها للَّه‏.‏ قال النووي‏:‏ واتفق العلماء على جوازها كلها يعني التشهدات الثابتة من وجه صحيح وكذلك نقل الإجماع القاضي أبو الطيب الطبري‏.‏

2 - وعن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول التحيات المباركات الصلوات الطيبات للَّه السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين أشهد أن لا إله إلا اللَّه وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود بهذا اللفظ ورواه الترمذي وصححه كذلك لكنه ذكر السلام منكرًا ورواه ابن ماجه كمسلم لكنه قال‏:‏ ‏(‏وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏)‏ ورواه الشافعي وأحمد بتنكير السلام وقالا فيه‏:‏ ‏(‏وأن محمدًا‏)‏ ولم يذكرا أشهد والباقي كمسلم‏.‏ ورواه أحمد من طريق آخر كذلك لكن بتعريف السلام‏.‏ ورواه النسائي كمسلم لكنه نكر السلام وقال‏:‏ ‏(‏وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني في أحد روايتيه وابن حبان في صحيحه بتعريف السلام الأول وتنكير الثاني‏.‏ وأخرجه الطبراني بتنكير الأول وتعريف الثاني‏.‏

قوله ‏(‏التحيات المباركات الصلوات الطيبات‏)‏ قال النووي‏:‏ تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت اختصارًا وهو جائز معروف في اللغة‏.‏

ـ ومعنى الحديث ـ أن التحيات وما بعدها مستحقة للَّه تعالى ولا يصلح حقيقتها لغيره‏.‏ والمباركات جمع مباركة وهي كثيرة الخير وقيل النماء وهذه زيادة اشتمل عليها حديث ابن عباس كما اشتمل حديث ابن مسعود على زيادة الواو ولولا وقوع الإجماع كما قدمنا على جواز كل تشهد من التشهدات الصحيحة لكان اللازم الأخذ بالزائد فالزائد من ألفاظها وقد مر شرح بقية ألفاظ الحديث‏.‏